و تَعَرّتْ طَنْجَة،
اسْتِعْداداً لِلْخَريف.
مِنْ جِهَةِ الرّيف،
جاءتْها قَوافِلُ البَريد،
مُحَمّلَةٌ بِالكَآبَة،
و أَكْياسُ الرّيح،
و أََفْرَغَتْها رَسائِلُها الصّفْراء،
على أَرْصِفَةِ المَدينَة.
-2-
و مَشَتِ الرّيح،
في أَزِقّةِ العُزلَة،
و عَبَثَتْ باِلطّريق،
و بِالأَبْوابِ و الشّبابيك،
و شَطّبَتْها الشّوارِع و بِلا رَفيق،
ظَلّت لِوَحْدِها القُطَيْطَة،
تَموءُ مِن شِدّة الوَحْشَة،
على حيطان الدّور اللَّقيطَة.
-3-
و سَرَتْ في البَحر،
سُمْرَةُ ذَهَبِ الخَريف.
سُيّاحٌ شُقْرٌ يَنْظُرون،
و أَطْفالٌ سُمْرٌ يَتَوَسّلون،
تَجْري ضَحكاتهم على الرّصيف،
و في الدُّرُب الضَّيِّقَة و تَحْت المَطَر.
و تَحْكي الجَدّةُ لَهم و للْحُلُم الطّريد،
عَن البَحر الذي كان يَنامُ تَحتَ ظلالِ الشجر.
-4-
و تَعَرّت طَنْجَة و مَشَت الرّيح،
و البَحْر عارٍ أَمامَ المَغارَة،
و قد طُوِيَت أَشْرِعَةُ المَراكِب،
لا مَفَرّ مِن الكآبة قالتِ الجّدّة،
لا مَفَر ّمن طولِ الطّريق،
من أَلَم الوَحْدَة،
من فِتْنَة الأُنْثى،
و خٍيانَة الرّفيق.
-5-
لَكِنّه الخَريف .. !
نَقْشٌ أشْقَر على مَرايا الأَشْجار،
حِجارَةٌ عَرَبِيّة تَنْطِق عَن الأَطْلال،
و أُمٌّ تُطَرِّزُ بَقايا الآثار،
لِعاشِقٍ بَدَوِيّ،
و َأميرَة صَهْباء.
خَلْفَ جِدار مَسْجِد النّون،
ثَمّة قِنْديل يَسْتَحِمّ،
تَحْت ظِلال فِتْنَة وَلْهاء،
ثَمّة مَن يَظُنّ !
ثَمّة مَن يُحِبّ الهَواء،
و ثَمّة مَن يَعْشق،
أَهْدابَ الرِّثاء،
و
خَريف الوَفاء.